القائمة الرئيسية

الصفحات

كتاب تراث العبيد في حكم مصر المعاصرة ــــ دراسة في علم الاجتماع التاريخي

 

تراث العبيد في حكم مصر المعاصرة ــــ دراسة في علم الاجتماع التاريخي
كتاب تراث العبيد في حكم مصر المعاصرة ــــ دراسة في علم الاجتماع التاريخي

 نظرة عامة  

تراث العبيد في حكم مصر المعاصرة ـ دراسة في علم الاجتماع التاريخي صدرت في عام ١٩٩٥ لأستاذ جامعى مصرى لم يرد أن يعرف نفسه للقارئ، وأشار لأسمه على الغلاف بالحروف الأولى (دكتور ع.ع)!.

يبدأ المؤلف كتابه بعبارة "إلى الذين يحبون مصر وردة ناضرة ذات أريج"، ثم بدأ في استعرض تاريخ مصر المعاصرة على مافيه من صفحات طوال تعود بالحديث إلى بداية حكم الرقيق الابيض في مصر الذي بدأ تقريبا أوخر النصف الأول من القرن التاسع للميلاد.

محتويات الكتاب

ويستعرض الكاتب جذور العبيد فى مصر محاولا تتبع نشأتهم وأصولهم ومجيئهم إلى مصر، والأخطر مدى تأثيرهم فى شخصية المصريين بسلوكياتهم، واستمرار ذلك حتى الآن رغم اختفائهم ظاهريا، إلا أنه يؤكد عبر بحثه أنهم لم يختفوا من الوجود ولم تنهِ مذبحة القلعة وجودهم، وأنهم مازالوا بيننا بسلوكهم وشخوصهم أيضا!

وكتاب تراث العبيد في حكم مصر المعاصرة-دراسة فب علم الاجتماع التاريخي يجيب بوضوح عن أسئلة طالما بدت لا إجابة لها:

ومن هذه الأسئلة:

  1. لماذا يتصارع المصريون في الخارج، صراعا لا تشهده الجاليات الأخرى؟
  2. لماذا لم تثمر حركة التغريب (الأخذ بأساليب الحضارة الغربية في الحكم والإدارة) النتائج نفسها التي أثمرتها في الغرب؟
  3. لماذا ظهرت حركة التشرذم في الحركة الإسلامية وعلاقتها بالتراث المملوكي؟
  4. ما علاقة الجامعات بالتراث المملوكي؟
  5. لماذا يحس الاجانب بالتوتر الشديد عند تعاملهم مع جهاز الإدارة؟
  6.    لماذا يخشى المصري دخول قسم الشرطة حتى لوكان بريئا؟
  7.    ماهي الجذور التاريخية لبعض الشتائم السائدة؟
  8.    العقاب الجنسي ما دوره؟ وكيف تطور؟

يذكر الكاتب، أن المماليك، حكموا مصر نحو 1200 سنة بلا انقطاع، فهو يرى أن حكمهم يبدأ من عهد أحمد بن طولون خلال الفترة من سنة 868م إلى 884م،الذي استطاع أن يكون دولة مستقلة عن الدولة العباسية توارثها أبناؤه.

ولا ينتهي حكمهم للبلاد بوقوع "مذبحة القلعة" الشهيرة عام 1811 كما يظن الكثيرون، بل إنه استمر حتى ما بعد ثورة 23 يوليو 1952، التي ربما جاءت بنوع مختلف منهم!

ويناقش الكتاب فرضية نظرية بأن التغييرات النفسية والسيكولوجية فى مصر حدثت بعد أن انصهرت عناصر المماليك المجلوبة (برجية) أو (بحرية) والذي تم استجلابهم كرقيق وصنع بهم طبقة عسكرية.

هذا المملوك لكي يحيا وفى العادة بعمر قصير، والمملوك مغترب تم انتزاعه من أحضان أهله ليباع كرقيق وعادة ما يتم تنشئته نشأة عسكرية.

وفى لحظة يصبح هو السيد والمصري ابن البلد هو المسود.. يحيا في مجتمع تنافسي ملئ بالحسد والغيرة والاستعلاء على الأدنى حين يصل، يحيا بالوشاية للأقوى، يبتسم فى وجه خلانه ويده تتحسس مقبض سيفه وخنجره.

يعتمد فى استمرار المعيشة على أستاذه المتنافس دائما مع أستاذ آخر، لا يستطيع هذا المجتمع الحياة إلا على حساب الآخرين ليصعد على أكتافهم.

يستعلى على أصحاب البلاد لإحساسه المتضخم باليتم والدونية، يعلم أنه فى يوم ما سيعتق ويصير العبد هو السيد.

واستطاع هذا العبد الأبيض أن يصبح هو الحاكم الفعلي رغم فقدانه عرش مصر من الناحية الرسمية ، فقد ظل هو ـ بالضرورة ـ العمدة وشيخ البلد ، ومدير المديرية ومحافظ المحافظة ومسئول الشرطة والوزير.

كما كان هو الأقدر على الوصول لمناصب المديرين والمديرين العموم ، وبذلك أصبح هو الحاكم الفعلي حقا وصدقا رغم فقدانه (العرش) من الناحية الرسمية ولم تعد تجدي معه فرمانات سلطان أو قرارات حاكم ، فليصدر الحاكم ماشاء من قررات.

فالعبد الأبيض بم له من خبرة عملية في الحكم لاينفذ منها الامايشاء وبالطريقة التي يشاء، وبالأسلوب الذي يفرغ به هذه القررات من مضمونها تماما.

وحتى عندما استطاع شعب مصر قتل بعض من هؤلاء العبيد البيض، فإنه لم ينجح في القضاء على تراثهم وأفكارهم وخبراتهم في الحكم التي توارثوها عنهم ابناؤهم جيلا بعد جيل.

إنه تراث مملوكي أصيل

وكان على العبد الأبيض الحاكم حتى يستطيع الاحتفاظ بالولاية اظهار الولاء بشكل مستمر للخليفة أو السلطان أو الملك الذي عينه وإرضاء حاشيته أو رجال بلاطه أو طاقم مكتبه بتقديم الهدايا بصور متنوعة (جواري أو تزويج بناته).

ومن الطبيعي أن يتفنن العبد عندما يصبح حاكما في الإيقاع بين مجموعات العبيد (المماليك) التابعين له، وظل هذا المسلك مسلكا عاما يصبغ روح الحكم له، ونتج عن ذلك تبلور مفاهيم المهموز الدبوس والزنب وهي مفاهيم مملوكية أصيلة مازالت مستخدمة بالفاظها غالبا.

وإن كان المصريون قد عبروا بعد ذلك عن المعنى نفسه بألفاظ أخرى      كالتدبيس بمعنى تلفيق التهمة، أي إسناد تهمة لشخص برئ، والكلمة تستخدم غالبا في مجال اظهار البراعة (براعة الكاذب في اسناد التهمة للبريء).

البتاع والبتوع

كان كل أمير مملوكي يحرص على أن يكون له المماليك (بتوعه) وإذا وصل مملوك إلى عرش السلطنة حرص على تكوين مجموعة مملوكية جديدة حتى يضمن إنها ستكون (بتاعته) لأنه لايضمن ولاء مجموعته التي كان منها.

وظلت فكرة (البتاع) و(البتوع) تتوارث جيلا بعد جيل، وهي مازالت موجودة، فمن المحال محو أكثر من ألف عام التراث المملوكي.

فلابد للمدير العام أن يكون له (بتوع) غير بتوع المدير العام الآخر، وهذا ما يفسر وجود (الحكومة العميقة) في دواوين الحكومة.

فمن المحال إذن أن يمارس (مديرــ محافظ) عمله ويباشر اختصاصه في ظل القانون فقط أو وفقا لبنود اللائحة، هذا محال في ظل تراث الرقيق الأبيض، ومن المحال تكوين قاعدة جهاز الإدارة حساسة لأوامر وتوجيهات القيادة إلا في ظروف معينة قوامها الرعب والخوف.

نحن نخاف ومنختشيش

وقد عبرالفكر الشعبي عن ذلك وشخصه دون معرفة جذوره التاريخية إذا يقال ( نحن نخاف ومنختشيش) أي أننا نخاف لكن ينقصنا الحياء، فقد لاحظ المفكر الشعبي أن الموظف لايؤدي عمله إلا خوفا من مديره، والمدير لابد أن يكون لديه دافع شخصي لمباشرة العمل غير راتبه الذي يتقاضاه وحوافزه التي يحصدها.

فالعلاقات المملوكية أساسها الخوف: الخوف من أميرهم، والخوف من مماليك الأمير الآخر وخوف السلطان من مماليكه هو بعد أن يصل إلى السلطنة، وخوف مماليكه هم أنفسهم منه خوفا من تكوين مجموعة أخرى.

ومن الطبيعي ألا يرحب المماليك القدامى بمملوك آخر ينضم إليهم فقد يشاركهم كميات اللحوم والخبز والحلوى التى توزع عليهم فتقل أنصبتهم تبعا لذلك، وقد تزيد حظوته عن حظوتهم عند (أستاذهم) أو أميرهم.

ولا شك أن أميرهم أو أستاذهم أو صاحبهم أو مالكهم كان يراقب بعين الحذر أي تكتلات أو صداقات بينهم، إنما هي علاقات يحكمها (الخوف) و(الضرورة) رغم غطاء المجاملات السميك سماكة الخوف الكامنة، والكلمات العسلية اللزجة لزوجة الخوف الكامن والغيرة الكافية.

لذلك نجد في المجتمعات التي تعمق فيها تراث المماليك كما هائلا من كلمات المجاملة والنفاق، وجميعها غير صادق: (عيوني ـ أعطيك عيوني ـ عيوني فداك ــ منستغناش عنك ــ يانوراتنا ياعسل ــ يافل ـ انت أجدع راجل ــ مش عارفين من غيرك كنا ح نعمل إيه)، وهذا قليل من كثير.


الشهامة والجدعنة

والمعنى القاموسي للشهامة ، هو عزة النفس وحرصها على مباشرة أمو عظيمة تستبع الذكر الجميل، أما جدع فمعناها المقصود ليس قاموسيا، والمفترض أن الجدعنة هي الشهامة، لكن قطاعا كبيرا من الشعب لاتعطي للكلمتان هذا المضمون، كما يتضح من خلال التعبيرات والسياقات التالية:

  1. ده واد جدع يحط صوبعه في عين التخين
  2. والملكفون بالتعذيب عادة من الجدعان بهذا المعنى
  3. عادة مايختلط معنى الجدعنة والشهامة بمعاني النزاهة.
  4. ارتبطت الجدعنة أحيانا بالخروج على القانون.
  5. كان ينظر أحيانا إلى اللصوص والخارجين على القانون.

العقاب الجنسي 

كانت الإشارات إلى دلالات جنسية مجالا أساسيا في المداعبة والمزاح في مجتمع العبيد ،إنه مجتمع ( العزاب) المجاليب الأغراب، ومجتمع من لايعرفون آباءهم، وتتسرب المفاهيم نفسها بعد الزواج،وكانت أحد أساليب المجموعة المملوكية المنتصرة لإذلال المجموعة المملوكية الأخرى (المنهزمة)ــ إذا كانت العاقبة مأمونةــ هو ممارسة اللواط مع احد أفرادها، بالإجبار أي اغتصابا، وذلك كنوع من الإذلال.
وظل هذا التراث المملوكي يتغلل في المجتمع حتى صار وسيلة لمقاومة الإقطاع بالانتقام من أبناء البك الإقطاعي أو أولاد الباشا.

لماذا يخشى المصري من دخول قسم الشرطة حتى ولو كان بريئا:

بدأ الأمر بالعثمانيين الذين كانوا يحصلون من بلاد البلقان على الأطفال الصغار ثم يربونهم ويخضعونعهم لتدريبات شاقة عسكرية وإدارية، وكانوا يطلقون عليهم  اسم (الدقشرمة) ثم يلحقونهم بالجيش أو المناصب الإدارية الهامة.

فكانوا يظهرون الجوانب الغليظة من شخصياتهم ، وقد وصل إلى مصر عدد غير قليل من هؤلاء مع الحاميات العثمانية أو مع محمد علي ، ومكثوا في مصر وتزوجوا وتناسلوا.
وهؤلاء الدقشرمة (ممثلين في رجال الشرطة والموظفين الحكومين) كانوا يعاملون أهل البلاد معاملة قاسية.

فكان إذا دخل أحد مركز الشرطة أو تعامل مع ضابط الشرطة فلابد أن يضربه الضابط أو المسئول على قفاه ، أو بالفلكة،أو تعليقه على (العروسة)، وظل هذا التراث الدقشرمي أو المملوكي حتى الآن متغللا في مراكز وأقسام الشرطة حتى يومنا هذا.

الدلالات الاجتماعية والتاريخية لبعض عبارات الشتائم

لم يظهر السب والاستهزاء بشكل واضح بالعضو التناسلي للأم إلا في العصر المملوكي، وازداد في العصر العثماني، واتسع في الأسرة العلوية، وهو أمر مألوف  في التاريخ المعاصر والأصل أن االمملوك المجلوب لا أسرة له، وهو لا يعرف أباه أو أمه ، فهو غير حريص على شرف محدثه وهواتهام العضو التناسلي لأمه أو أخته .

في الغربة.. بأسهم بينهم شديد

حار القاصي والداني في أمر المصريين إذا ما اجتمعوا في بلاد الغربة.. إن بأسهم بينهم يكون شديدا.. ولا تكاد تجد بينهم روح (الجماعة) أو (القبيلة) أو (العشيرة).

وتظهر التشرذمات (المملوكية) بينهم بشكل أوضح بكثير مما تظهر داخل مصر نفسها، ويرجع الكاتب ذلك إلى واقع التراث المملوكي العريق (تراث العبيد في الحكم والاجتماع)، ويظهر ذلك من خلال المظاهر التالية:

الصراع للوصول إلى السلطة

والسلطة هنا هى الوصول إلى قلب صاحب العمل أو الوصول إلى قلب السلطان (رئيس العمل الأجنبي)، فيتنافس المماليك لكسب رضاهم.

الفقر ليس السبب

فهناك جاليات في الخارج أكثر فقرا ولا تظهر بينها صراعات أو تنافس، مثل السودانيين ، أو التجمعات الموريتانية،والفلسطينيون، الذين كونوا جاليات لها طابع خدمي لأبناء بلدانهم. 

غيرة المهنة

" عدوك ابن مهنتك " ليصبح النصر لمن يجيد الدسائس المملوكية بمسمياتها المختلفة من (دبوس) إلى (مهموز)، وهكذا يمضي المماليك في هدم كل نجاح حقيقي لأحد زملائهم، فهذا أيسر لهم من تحقيق نجاحات خاصة بهم فالتراث المملوكي يتلخص في اتقان الصراع وفن التكتل ضد المجموعات الأخرى وفن الاستقطاب.

سفارة المماليك 

الفردية في التراث المملوكي تعني أنني وحدي محور الكون وأن تحالفاتي مؤقتة وأن السلطان ليس أفضل مني، وأننا جميعا عبيد ونحن كلنا (أولاد..) وان مافيش (حد أحسن من حد) فمن السهل إذن على المملوك أن يبيع مصالح وحقوق أي من المماليك الآخرين.ومن ثم فإن هذا المنطق نفسه هو السائد لدى رجال او نساء سفارة المماليك، فمن السهل إذن على المملوك العامل في السفارة أن يبيع مصالح أو حقوق أي من المماليك الآخرين لسلطان البلد المضيف.

الإحساس بقلة القيمة

تسمع من المصريين في الغربة عبارات مثل (ماذا نفعل، المصري أصله رخيص) (المصري قليل القيمة أولاقيمة له) وذلك نتيجة الصفات المملوكية التي مازلت متوارثة حتى الآن، فالاجتماع المملوكي يوضح أن كل مملوك في حد ذاته دولة أو كيان لا يتبع إلا بشكل مؤقت.

هل هي الروح الفردية؟

" ولاحداني يكيد رجال" والوحداني هنا هو الفرد الذي ليس له عزوة ، ويقولون ايضا " سافرت يازعلوك ، بحسبك تكيد الملوك، لكن رحت خره وجيت خره فالف حمدلله ع السلامة"أي أن الزعلوك وهوقليل الشأن سافر قليل القيمة وعاد كما جاء ، وفي مجتمع المماليك فإن هذا صحيح تماما ، فالفرد بمفرده ليس له قيمة كبيرة ، إنه لايستطيع أن يواجه جماعة المماليك الآخرين إلا بمن معه من المماليك .

الخاتمة

ثم ختم الكتاب بفصل بعنوان " والحاجة لضربة حاسمة " يستعرض فيه جهود الذين توالوا على حكم مصر للقضاء على المماليك بدأ من محمد علي حتى ثورة 23 يوليو1952، ولكن العدو يكون أكثر خطرا وهو جريح على شفا الموت ، فأطل التراث المملوكي بكل جبروته أثناء سياسة الإنفتاح وظهر أكثر مايكون في الجامعات وفي الجهاز التنفيذي والقضائي.


لتحميل الكتاب اضغط هنا


تعليقات

التنقل السريع